رمضان وقضاء حوائج الناس
يعتبر شهر رمضان من الأشهر التي يزداد فيها عمل الخير وقضاء حوائج الناس, وفيه تكثر المنافسة على عمل الخير والصدقة والدعاء للنفس والاهل بالخير والبركة,فهو شهر تكثر فيه الطاعات والعبادات, وكما ذكرنا في مقال سابق يصبح الشخص وكأنه ملاك يمشي فوق الأرض, وعمل الخير وقضاء حوائج الناس من اعظم الاعمال التي تقربنا الى الله, ولهذا نذكر في هذه المقالة بعض الأحاديث والأقوال التي تحثنا على فعل الخير .
*آيات وأحاديث نبوية تحثنا على قضاء حوائج الناس:
قال الله تعالى :
{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}. ( النساء: 85 )
و رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفضل من تحدث عن أهمية قضاء حوائج الناس ، فقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في فعل الخير وقضاء الحوائج
-عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:” أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا”. ( أحمد ومسلم وأبو داود ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ. ( أحمد والطبراني والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح).
هنا تتجلى عظمة قضاء حوائج الناس باهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حوائج الناس؛ حيث الصلاة أقيمت ؛ والمصلين واقفين مستعدين لها, وهو واقف مع الشخص يقضي له حاجته التي يسأل عنها.
. وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قال:كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ . قال : اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، ويقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ”.( البخاري ومسلم).
إنقضاء حوائج الناس والسماع لانشغالاتهم ، من صفات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فهذا سيدنا يوسف عليه السلام يضرب لنا اروع الأمثلة، حيث وصفه السجناء معه بالإحسان قال تعالى: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، قال قتادة: كان – وهو في السجن – يعزي حزنتهم ويداوي مرضاهم ورأوا منه عبادة واجتهاداً فأحبوه؛ وعن الضحاك : كان إذا مرض رجل في السجن قام عليه، وإذا ضاق وَسَّع له، وإن احتاج جَمَعَ له وسأله .”( التفسير البسيط للواحدي).
وموسى عليه السلام لما ساعد الامرأتين المستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما، وهكذا كان يفعل كل الرسل والأنبياء ويتسابقون في فعل الخير و قضاء الحوائج.
وكذلك الخلفاء الراشدين ساروا على نفس منهج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، في قضاء حوائج الناس ومتطلباتهم , فهاهو سيدنا عمربن الخطاب يضرب اروع الامثلة في ذلك حين كَتَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ يَرْفَعُونَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ ؛ فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ ، فَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُنْصَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ . من كتاب (المجالسة وجواهر العلم لابن عبد البر)..
وكان عمر بن الخطاب إذا بعث عماله شرط عليهم ألا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة قال ثم شيعهم فإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أعراضهم ولا على أموالهم ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها. (مصنف عبدالرزاق).
وعنْ أَبِي الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ :
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:” مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ ، وَالْخَلَّةِ ، وَالْمَسْكَنَةِ ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ ، وَحَاجَتِهِ ، وَمَسْكَنَتِهِ. فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ .” ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
وقد ألف اصحاب النبي كل الصفات التي كان يقوم بها أمامهم ومنها قضاء حوائج الناس:
حتى أصبحوا يتقاسمون بينهم كل ما يملكون و حق أحدهم يكاد يصبح ملكاً للجميع؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.” (مسلم).
وعَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”.( متفق عليه) .
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ؛ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(متفق عليه) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). قال الإمام النووي: ” فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وفضل إنظار المعسر.” (شرح النووي على مسلم) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
**أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا ، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ، مَلأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ “**. ( ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، بسند حسن).
لفضل هذا العمل وعظمته كثرت الأقوال فيه خاصة من السلف حيث كانوا يحثون على فعل الخير وقضاء الحوائج.
* يقول الحسن البصري رحمه الله: ” لأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة، ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أعتكف شهرين”. وقد قيل: “العجلة من الشيطان” إلا في خمس : إطعام الضيف؛ وتجهيز الميت؛ وتزويج البكر؛ وقضاء الدين؛ والتوبة من الذنب.
*وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إليَّ من حجة، وَلَطَبَقٌ بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إليَّ من دينار أنفقه في سبيل الله”.
*ويقول مالك بن دينار: ” إن صدور المسلمين تغلي بأعمال البر وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور ، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله .؟!! وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن. وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.
* قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
* وكان علي بن الحسين – رحمه الله – يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك ، وكان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم؟! فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل .
هنا تتجلى عظمة ديننا الحنيف الذي جعل مساعدة الناس وقضاء حوائجهم بهذه المنزلة العظيمة، فما أجمل أن يسعى الإنسان في قضاء حوائج الناس ويفرج عنهم كرباتهم ليفرج الله عنه كربته؛ ولا سيما في هذا الشهر الفضيل؛ الذي يزداد فيه عمل الخير، فاللهم فرج عنا كرباتنا واجعلنا من الذين يسعون ويتسابقون الى فعل الخير.
*آيات وأحاديث نبوية تحثنا على قضاء حوائج الناس:
قال الله تعالى :
{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}. ( النساء: 85 )
و رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفضل من تحدث عن أهمية قضاء حوائج الناس ، فقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في فعل الخير وقضاء الحوائج
-عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:” أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا”. ( أحمد ومسلم وأبو داود ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ. ( أحمد والطبراني والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح).
هنا تتجلى عظمة قضاء حوائج الناس باهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حوائج الناس؛ حيث الصلاة أقيمت ؛ والمصلين واقفين مستعدين لها, وهو واقف مع الشخص يقضي له حاجته التي يسأل عنها.
. وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قال:كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ . قال : اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، ويقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ”.( البخاري ومسلم).
إنقضاء حوائج الناس والسماع لانشغالاتهم ، من صفات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فهذا سيدنا يوسف عليه السلام يضرب لنا اروع الأمثلة، حيث وصفه السجناء معه بالإحسان قال تعالى: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، قال قتادة: كان – وهو في السجن – يعزي حزنتهم ويداوي مرضاهم ورأوا منه عبادة واجتهاداً فأحبوه؛ وعن الضحاك : كان إذا مرض رجل في السجن قام عليه، وإذا ضاق وَسَّع له، وإن احتاج جَمَعَ له وسأله .”( التفسير البسيط للواحدي).
وموسى عليه السلام لما ساعد الامرأتين المستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما، وهكذا كان يفعل كل الرسل والأنبياء ويتسابقون في فعل الخير و قضاء الحوائج.
وكذلك الخلفاء الراشدين ساروا على نفس منهج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، في قضاء حوائج الناس ومتطلباتهم , فهاهو سيدنا عمربن الخطاب يضرب اروع الامثلة في ذلك حين كَتَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ يَرْفَعُونَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ ؛ فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ ، فَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُنْصَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ . من كتاب (المجالسة وجواهر العلم لابن عبد البر)..
وكان عمر بن الخطاب إذا بعث عماله شرط عليهم ألا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة قال ثم شيعهم فإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أعراضهم ولا على أموالهم ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها. (مصنف عبدالرزاق).
وعنْ أَبِي الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ :
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:” مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ ، وَالْخَلَّةِ ، وَالْمَسْكَنَةِ ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ ، وَحَاجَتِهِ ، وَمَسْكَنَتِهِ. فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ .” ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
وقد ألف اصحاب النبي كل الصفات التي كان يقوم بها أمامهم ومنها قضاء حوائج الناس:
حتى أصبحوا يتقاسمون بينهم كل ما يملكون و حق أحدهم يكاد يصبح ملكاً للجميع؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.” (مسلم).
وعَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”.( متفق عليه) .
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ؛ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(متفق عليه) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). قال الإمام النووي: ” فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وفضل إنظار المعسر.” (شرح النووي على مسلم) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
**أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا ، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ، مَلأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ “**. ( ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، بسند حسن).
لفضل هذا العمل وعظمته كثرت الأقوال فيه خاصة من السلف حيث كانوا يحثون على فعل الخير وقضاء الحوائج.
* يقول الحسن البصري رحمه الله: ” لأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة، ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أعتكف شهرين”. وقد قيل: “العجلة من الشيطان” إلا في خمس : إطعام الضيف؛ وتجهيز الميت؛ وتزويج البكر؛ وقضاء الدين؛ والتوبة من الذنب.
*وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إليَّ من حجة، وَلَطَبَقٌ بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إليَّ من دينار أنفقه في سبيل الله”.
*ويقول مالك بن دينار: ” إن صدور المسلمين تغلي بأعمال البر وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور ، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله .؟!! وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن. وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.
* قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
* وكان علي بن الحسين – رحمه الله – يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك ، وكان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم؟! فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل .
هنا تتجلى عظمة ديننا الحنيف الذي جعل مساعدة الناس وقضاء حوائجهم بهذه المنزلة العظيمة، فما أجمل أن يسعى الإنسان في قضاء حوائج الناس ويفرج عنهم كرباتهم ليفرج الله عنه كربته؛ ولا سيما في هذا الشهر الفضيل؛ الذي يزداد فيه عمل الخير، فاللهم فرج عنا كرباتنا واجعلنا من الذين يسعون ويتسابقون الى فعل الخير.
